لماذا دليل عن شمال أمستردام؟ لأن الشمال يشبه هولندا أكثر من أمستردام، العاصمة التي تقع على الوجهة الأخرى من ضفة نهر «آي». ما عدا الكثبان يحتوي الشمال على كل ما يوجد في هولندا، كما أن مميزات هولندا تظهر بشكل أوضح في شمال أمستردام منها في أي مكان آخر. يظهر وكأن الأمر يتعلق بـ«بحديقة صناعية»، لكنها حقيقية تمامًا.
لماذا اللغة العربية؟ لأن كثيرًا من سكان شمال أمستردام ينحدرون من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، كما أن الشمال منطقة سياحية مثالية للسُّيَّاح من دول هذه المناطق. الشمال منفتح وأخضر بشكل كبير، فيه الكثير من المياه، وهو نظيف وهادئ. لهذا فإن شمال أمستردام مكان لائق لزيارة قصيرة إلى أوربا. تجدون في هذا الدليل عددًا من الصور عن الخُضرة، التي تم تصوريها في منتصف فصل الصيف! المجال الأخضر تقريبًا مفتوح بأكمله للعموم ورائحته طيبة.
الشيء الوحيد الذي لا يتوفر في الشمال حقًّا هو المحلاَّت الفخمة. ليس من السهل أن ينفق الإنسان كثيرًا من المال. إذا كنتم ترغبون في ذلك النوع من الإنفاق، فمن الأفضل أن تذهبوا إلى سويسرا.
الشمال متطور بشكل أكبر، بالمقارنة مع بقية أوربا الغربية. لقد تمّ فصل الأرض اليابسة بشكل دقيق عن المياه، وذلك بواسطة السواقي والقنوات والكثبان والمضخات، حيث تم تجفيف المياه هنا وهناك ومُلئت تلك بالتراب. هذا لم يعُد ممكنًا بواسطة المطاحن الهوائية، ولكن باستخدام الآلات الكهربائية التي تجعل العمل يأخذ شكلاً هندسيًّا رائعًا.
تم خلق البلاد وإعطاؤها شكلاً من قبل الناس. حتى ما يُسَمَّى «الطبيعـة» خارج الطرق وعلى المياه، تم التخطيط له وصيانته باستخدام الأموال العامة والالتزام بقوانين صارمة. الهولنديون جِدُّ سعداء بأن يشاهدوا الطيور تسبح فوق المياه، بدلاً من أكلها. يجب أن تعيش صعوبة مغادرة المدينة من جهة الشمال الشرقي وتواجدك بين المياه والمروج. تجربة سـيـنـيـمـوغـرافـيــة رائعة عندما تفتح الطبيعة ذراعيها وتتغير الأصوات من حـولك. يمكن الاستمتاع بذلك باستئجار دراجة هوائية.
حتى في جهة شمال المدينة، عند اتِّباع طريق الدراجة الصحيح، فإن بإمكانكم مشاهدة كل ما تحمل هولندا في طياتها. تنوُّع لا نهائي مثير! مآثر القرى توجد بالقرب من مدن الحدائق، وأمثلة أخرى خالصة من سكن اجتماعي من القرن العشرين بأكمله. بين ذلك كله ترى بناء السفن، ومصانع المواد الكيميائية، وإرثًا صناعيًّا يتم تحويله إلى مكان لعمل الفنانين وصناعة الإعلام.
هولندا عُرفت منذ القدم بأنها بلد المهاجرين. تشكيلة سكان شمال أمستردام متنوعة من حيث الإثنية والحالة الاجتماعية. في الشمال يسكن أناس أغنياء في منازل أصيلة ومزارع قديمة، كما يسكنه مهاجرون بشكل غير شرعي، ولا أحد يعرف كيف يدبرون شؤون حياتهم من أجل العيش والبقاء. أغلبية السكان -مهما كان أصلهم- هولنديو الطبع: أغنى بكثير من المواطن العادي في العالم، لكنهم عاديُّون. يتفاهمون بشكل جيد معًا. هذا ينطبق حتى على العاطلين الذين كانوا يشتغلون في الصناعة الثقيلة والذين ينحدر 50% منهم من أصل سورينامي أو تركي أو مغربي. المنازل مصونة بشكل جيد من طرف السكان أو الدولة. الشوارع نظيفة جدًّا بفضل نظام ذكي يتمثل في رمي القمامة تحت الأرض. وفي الليل يكون الجو هادئًا جدًّا لأن الكل ينام مبكرًا. على الزائر أن يتعود هذا النظام: في هولندا يتم تناول آخر وجبة في في وقت مبكر جدًّا، بين الساعتين السادسة والثامنة مساءً. في شمال أمستردام يمكنكم النوم في راحة تامة.
كثير من الهولنديين يعتقدون أن مستوى الحياة في شمال أمستردام غير مرتفع، لكن الزُّوَّار يلاحظون مباشرةً علامات الرفاهية والثراء. حتى المهاجرون يتركون البط يسبح. في الشمال يوجد ما يكفي للجميع!
من الناحية الإدارية فالشمال جزء من مدينــة أمستردام، لكنه أصلاً مستعمرة لهذه المدينة. في البداية كانت عبارة عن منطقة زراعية خضراء محاطة بالمياه، قرى جميلة وميناء صغير على ضفة نهر«آي». الفلاحون وسكان البوادي كانوا مستقلين ومعتزِّين. عرفوا كيف يحمون أنفسهم من المدينة الكبيرة بواسطة النهر وسد طويل. بعد الكارثة الطبيعية لسنة 1916 اغتنمت أمستردام العاصمة الفرصة كي تُدرِج هذه المنطقة الجميلة التي تعرضت للإفلاس سنة 1921، تحت إشرافها وتسيير شؤونها.
بعد استيلاء أمستردام على المنطقة بعثت بصناعتها الثقيلة (بناء السفن) وعمالها الشِّداد إلى مستعمرتها الجديدة. وفي النصف الثاني من القرن الماضي كان الشمال مدينة صناعية يتم تسييرها من الجهة الأخرى من الضفة.
مع مرور الوقت بُنِيَ الشمال عن آخـره، وببعـض الأنفـاق وطريـق سـيِّار محيـط يربـط المنطقــة بمدينــة أمستــردام. قريبًا سيُربَط الشمال بواسطــة خط المترو السريع مع السكة الحديديــة المتجهـــة نحو الـمـطار. هنـاك فندق يتكون من كثير من الطوابق، وأول متحف وطني، ومتحف الفيلم في طور البناء. بمحاذاة مركز المحلاّت الموجودة في ساحة «باوسلوترميــر بلايــن» يكبر قلب المدينة. هناك مبنًى البلدية الجميل، كما يتم إنجاز دار المسرح ودار السينما. يعرف السُّكَّان تطوُّرًا من حيث الاستقلالية حتى في ما يخص المشاركة في تسيير الشأن المحلي. عدد من السيارات الصغيرة صار يتراجع ويحل محله مكان وقف الدرَّاجات المعبِّر عن رفاهية هولندا وصحتها. منطقة الشمال بدأت تتغير من جزء متأخر في أمستردام إلى مدينة خضراء على ضفة المياه.
أصوات تهمس أنه يتم الاشتغال في الشمال على تهيئة مخطط لنَيل الاستقلال من الاستحواذ وتولِّي تسيير الشأن الذاتي بإدارة محلية، لا للإشراف بعد، ولكن أن تكون هناك مساواة وتساوي مع توأمة أمستردام، المدينة العادية كبقية المدن الأخرى في هولندا.
نتمنى لكم إقامة طيبة في شمال أمستردام، والمدينة الأكثر اعتيادية في هولندا.― فيليم فيلتهوفن