يختفي صخب الحياة اليومية على العَبَّارة بعيدًا لدقائق معدودة، يتوقف الوقت وتنكشف بانوراما المدينة. لا شيء يهمُّ سوى مصادفة الغرباء الذين يقفون جميعًا في انتظار وصول العبَّارة! أنا على ظهر العبَّارة، ودرَّاجتي سوداءُ اللونِ متَّكِئة على حائط ومربوطة بقفل كي لا تسقط، فهي لا تصلح حتى للِصٍّ لكي يسرقها. وصلتَ في الوقت المناسب. ركبتَ الدرَّاجة كما لو أن حياتكَ متعلقة بها! استرجِع أنفاسك، فأنا سعيدة أنكَ وصلتَ في وقتك.
تُبْحِر العبَّارة وتدفع المياه لتسلك طريقها، حتى بلَّلَتنا المياه. تنظر إلى اليسار ثم إلى اليمين نحو الأفق المذهل وأنتَ تتشمم. هل ذلك من باب العادة؟ أتنظر إن كانت هناك وسائل نقل، أو تتأمل في السماء، أو تُظهِر أنك غير مهتمَّ؟ وأخيرًا ابتسمتَ لي ابتسامةً خفيفةً. لم أتمكن من إخفاء ابتسامتي، فهذه الرحلة تريد أن تستغرق وقتًا لا نهاية له. اهتززنا ببطء شديد. الانتظار هو الذريعة المثالية للحب منذ الوهلة الأولى. وصلت العبَّارة إلى مرفئها بسرعة واصطدمت بالجهة المقابلة. نُزِّلَت اللوحة الخشبية ليمشي عليها الراكبون... وعصفت بنا مرة أخرى الحياة الواقعية. لا أريد اسمكَ ورقم هاتفِكَ، فأنا متأخرة عن موعد الاجتماع.
الجهة الشمالية والمدينة، الضاحية والمركز، صُنَّاع القرار وما سيأتي، البحر والهواء، حياتي وحياتك... لحظة وسنكون أنتَ وأنا بين كل شيء.
غَزَل على ظهر العبَّارة
لا يوجد جسر بين وسط أمستردام وشمالها. تفصلنا كميات كبيرة من المياه، ولا يسمح النفق التحت-مائي إلاّ بعبور السيارات، وإذا أردت الوصول إلى أقرب جسر فعليك قطع مسافة 45 دقيقة. ولا يزال خط المترو الرابط بين الشمال والجنوب عبارة عن موقع بناء ضخم. فبالنسبة للراجلين وراكبي الدرَّاجات الهوائية والرومانسيين اليائسين، العَبَّارة هي الوسيلة الوحيدة لعبور نهر الـ«أي» (IJ)، والعَبَّارة هي القلب النابض للشمال، فهي جديرة بالثقة، وتبحر ليلًا ونهارًا.